خلال الأشهر السبعة الماضية، توالت الدراسات الطبية التي أوضحت عمق وقوة العلاقة بين السمنة من جهة واحتمالات شدة المرض عند الإصابة بكوفيد – 19 من جهة أخرى، وخاصة بين فئة الشباب ومتوسطي العمر.
وأشارت دراسة فرنسية لباحثين من جامعة ليون، تم نشرها ضمن عدد 18 مايو (أيار) الماضي من مجلة لانست The Lancet الطبية البريطانية، إلى أن احتمالات الإصابة بالحالات المرضية الشديدة من كوفيد – 19 تبلغ حوالي الضعف لدى السمينين مقارنة بذوي الوزن الطبيعي. وقال الباحثون الفرنسيون آنذاك، أي قبل حوالي سبعة أسابيع، في مقدمة الدراسة: «ونظراً للوباء المتنامي، هناك حاجة مُلحة لتوضيح العلاقة بين السمنة وكوفيد – 19. وبالرغم وعلى حد علمنا، لم تتضمن سوى عدد قليل من الدراسات حتى الآن معلومات تتعلق بعلاقة مقدار مؤشر كتلة الجسم لدى المُصابين بكوفيد – 19. إلا أن ثمة مما يشير إلى ارتفاع معدل وجود السمنة في المرضى الذين يعانون من كوفيد – 19.
وتشير البيانات من مدينة نيويورك إلى أن حالة «السمنة» على النحو المحدد وفق مقدار مؤشر كتلة الجسم، أي الذي لا يقل عن 30 (كيلوغراما/متر مربع)، هي عامل خطر لدخول وحدة العناية الفائقة ICU بين المرضى الذين يعانون من كوفيد – 19. خاصة بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً». وذلك في إشارة منهم لدراسة باحثين من جامعة نيويورك تحت عنوان «السمنة لدى المرضى الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً هي عامل خطر لدخول المستشفى في حالات كوفيد – 19»، تم نشرها ضمن عدد 9 أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «الأمراض المعدية الإكلينيكية Clinical Infectious Diseases».
قال باحثو جامعة نيويورك: «رغم أن المرضى الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً يُعتبرون عموماً مجموعة أقل خطورة للإصابة بشدة مرض كوفيد – 19. إلا أنه استناداً إلى بيانات من مؤسستنا، يبدو أن السمنة عامل خطر غير معروف سابقاً لدخول المستشفى والحاجة إلى تلقي رعاية فائقة، وهذا له آثار مهمة وعملية». وذكروا في نتائج دراستهم أن:
– المرضى الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً مع مؤشر كتلة الجسم بين 30 و34، عُرضة بمقدار 1.8 (واحد فاصلة ثمانية) مرة لدخول قسم العناية الفائقة لتلقي المعالجة الضرورية لسلامة حياتهم، مقارنة بالأشخاص الذين في نفس العمر ومؤشر كتلة الجسم أقل من 30.
– المرضى الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم أعلى من 35 والذين تقل أعمارهم عن 60 سنة، كانوا عُرضة بمقدار 3.6 (ثلاثة فاصلة ستة) مرة لدخول قسم العناية الفائقة، مقارنة بالأشخاص في نفس العمر الذين مؤشر كتلة الجسم لديهم أقل من 30.
وخلصوا إلى القول: «السمنة لدى الأشخاص دون الستين من العمر هي عامل خطر وبائي تم تحديده حديثاً في حالات كوفيد – 19».
– اضطرابات السمنة. ووجدت دراسة أميركية أخرى نشرت في نفس المجلة أنه يوجد «ترند» (توجه) مفاده: أن احتمالات اضطرار الشخص الأصغر سناً المُصاب بكوفيد – 19 للدخول إلى المستشفى نتيجة تدهور حالته الصحية، تكون أكثر لدى السمينين. وفي الوقت نفسه، فإن الأشخاص الذين يعانون من السمنة هم أكثر عرضة للإصابة بعدد من الاضطرابات الصحية والمرضية التي ثبت أنها ترفع من خطورة حصول تداعيات ومضاعفات كوفيد – 19. مثل مرض السكري وأمراض القلب المزمنة وأمراض الكلى والكبد. وتحديداً، ترتبط السمنة بزيادة احتمالية الدخول إلى وحدة العناية الفائقة مع مضاعفات خطيرة عند الإصابة بكوفيد – 19.
كما وجدت دراسة أميركية تم نشرها في عدد 30 أبريل (نيسان) الماضي من «مجلة أبحاث السمنة» Obesity، أن الأفراد الذين لديهم «سمنة شديدة» Severe Obesity، أي لديهم مؤشر كتلة الجسم أكبر من 35، هم أكثر عُرضة للدخول إلى وحدة العناية الفائقة عند الإصابة بكوفيد – 19. وأن أولئك الذين يعانون من أمراض القلب ولديهم «سمنة» Obesity، أي لديهم مؤشر كتلة الجسم أكبر من 30، هم أكثر عُرضة للحاجة إلى استخدام جهاز التنفس الصناعي Invasive Mechanical Ventilation نتيجة للتدهور العميق في حالتهم الصحية. وأضاف الباحثون القول: «يجب التركيز على الأشخاص السمينين في خطوط استراتيجيات الوقاية والمعالجة الطبية عند الإصابة بكوفيد – 19. وهناك ما يبرر زيادة اليقظة والعلاج بقوة لمرضى كوفيد – 19 الذين يعانون من السمنة».
4 أدلة على العلاقة «الوثيقة» بين السمنة و«كورونا»
لأن عمر معرفتنا بالعلاقة فيما بين السمنة وعمق التدهور الصحي عند الإصابة بكوفيد – 19 هو عمر قصير نسبياً، أي بضعة أشهر، فإن الباحثين الطبيين يُشيرون إلى أن السبب أو الأسباب التي تجعل السمنة عامل خطر معين هي بالفعل غير مفهومة اليوم بالكامل، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث.
ولكن من مجمل الدراسات الطبية السابقة حول السمنة وتأثيراتها على الجهاز التنفسي وفي حالات الإصابة بالأمراض الفيروسية والبكتيرية للجهاز التنفسي، ومن مجمل الملاحظات الإكلينيكية الحالية لدى الأطباء الممارسين اليوم فعلياً معالجة حالات كوفيد – 19. ثمة أربعة جوانب محتملة لتلك العلاقة، وهي:
– جانب العامل الفيزيائي المتعلق بكيفية عمل الحجاب الحاجز في عملية التنفس في الحالات الطبيعية وحالات الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي لدى الأشخاص المُصابين بالسمنة.
– جانب العامل المناعي المتعلق بالتأثيرات المحتملة للسمنة على عمل الجهاز المناعي بالجسم.
– جانب عامل الاضطرابات الكيميائية والأيضية في الجسم.
– جانب الاستجابة والتأثير العلاجي ومدى إعاقة السمنة لنجاح خطوط المعالجة الدوائية والمعالجات التدخلية لمرضى كوفيد – 19. وأيضاً تدني مستوى الاستجابة لتلقي اللقاح الخاص في حالات الأمراض الميكروبية الأخرى.
ووفق ما تشير إليه الدراسات الطبية السابقة، وما يؤكده الباحثون من جامعة كمبريدج بقول ما ملخصه: «هناك أدلة قوية تشير إلى أن الدهنية الزائدة تؤثر سلباً على وظيفة المناعة وقدرات التغلب على الميكروبات لدى الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة. وتتميز السمنة بحالة التهاب مزمن منخفض الدرجةSlow Level Chronic Inflammation، بالإضافة إلى مستويات مضطربة من العناصر الغذائية (كسكر الغلوكوز) المتداولة فيما بين أجزاء الجسم، واضطرابات في مستويات الهرمونات الأيضية. وتشير الدراسات والإحصائيات الوبائية إلى أن الأشخاص البدناء هم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وعلى وجه الخصوص عدوى المستشفيات والعدوى الفيروسية. وتحديداً، تم التأكيد من خلال الدراسات الحديثة بأن السمنة هي عامل خطر مستقل لزيادة المراضة والوفيات بعد الإصابة بفيروس الإنفلونزا على سبيل المثال».
ويضيفون: «يلزم النظر بشكل خاص في كيفية إدارة العدوى لدى السمينين، وهم الفئة المعرضة للخطر الميكروبي، نظراً لأنهم قد لا يستجيبون على النحو الأمثل للعقاقير المضادة للميكروبات أو تطعيم اللقاحات».
والسمنة بالأساس هي حالة ناتجة عن زيادة تراكم الدهون، وترتبط بالعديد من أمراض المناعة الذاتية Autoimmune والالتهابات المزمنة، وخاصة اضطرابات القلب والأوعية الدموية وداء السكري.
والنسيج الشحمي Adipose Tissue هو بالأساس «عضو تخزين» Storage Organ، ينظم تعبئة الطاقة عن طريق تدوير الدهون وفقاً لمدى احتياج الجسم للطاقة.
وفي الالتهابات المرتبطة بالسمنة Obesity – Related Inflammation، تتسلل خلايا مناعية مختلفة، بما في ذلك الخلايا الأحادية Monocytes وخلايا البلاعم Macrophages والخلايا القاتلة الطبيعية Natural Killer Cells والخلايا اللمفاوية، إلى النسيج الدهني. مما يؤدي إلى زيادة إفراز الخلايا الدهنية والخلايا المناعية لمركبات السيتوكينات الدهنية Adipocytokines.
ولذا ثمة عامل آخر يُعتقد أنه يلعب دوراً هو الالتهاب الناجم عن الدهون نفسها، ذلك أن الخلايا الدهنية تطلق إشارات يستجيب لها الجهاز المناعي وينتج عن ذلك «مستوى منخفض من التهاب الخلفية» Backgroud Inflammation، ومعلوم أن الجزء الأكبر من تداعيات ومضاعفات الإصابة بكوفيد – 19 هي ليست بسبب مهاجمة الفيروس للخلايا في الجسم وإتلافها المباشر بل هي ناتجة بالفعل عن حالة الإفراط في نشاط الجهاز المناعي ومهاجمة نفسه ومهاجمة خلايا أنسجة الجسم في الأعضاء المختلفة وإنتاج كميات عالية من المركبات الكيميائية المناعية، المعروفة باسم السيتوكين، التي هي أسوأ لدى الشخص يعاني من السمنة. وهو ما تم عرضه ضمن عدد 5 يونيو (حزيران) من ملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» تحت عنوان «لماذا تختلف أعراض الأمراض الفيروسية».
وقد أشارت الدراسات في هذا المضمار إلى أن السمنة الناتجة عن الإفراط في تناول الأكل Diet – Induced Obesity يمكن أن تزيد من إنتاج الأنسجة الشحمية لكمية الفئات النشطة من السيتوكينات والهرمونات الأيضية وخاصة في الأنسجة الدهنية البيضاء.
وثمة جانب كيميائي حيوي – مناعي لا تزال جوانب كثيرة منه غير واضحة حتى اليوم، يتعلق بدور أحد أنواع البروتينات، وهو بروتين «الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2» ACE2 Protein، ومستقبلاته Receptors المتواجد في الخلايا الدهنية. وهذا البروتين يُمكن الفيروسات من اعتراض الخلايا، وتحديداً يرتبط الفيروس بهذه البروتينات من أجل تسهيل وسرعة دخول الفيروسات إلى الخلايا وإصابتها بالمرض.
وتشير نتائج بعض الدراسات المتقدمة في هذا الجانب إلى أن الخلايا الدهنية تعبر عن بروتين ACE2 بمستويات عالية إلى حد ما، وهناك بعض البيانات السابقة حول هذه الفكرة المتعلقة بالفيروسات التنفسية الأخرى التي يمكنها مهاجمة الأنسجة الدهنية، واستمرار البقاء فيها وجعل التخلص من الدهون أكثر بطئًا وصعوبة.
المصدر : « وكالات الانباء »
« صفحة اسعاف على الفيس بوك »
www.facebook.com/esaaf123
« جروب اسعاف على الفيس بوك »
www.facebook.com/groups/123esaaf
موقعنا على الانترنت :
www.123esaaf.com